هيجة اليهودي.. أمانة المسيح في اليمن
لطالما كنت أتصبب عرقا في طفولتي إن سألني أحدهم ما اسم قريتك؟.. حرجا.
كثيرا ما كنت أستعير اسما آخر لقرية مجاورة بدلا عن اسمها.
لم أدرك فداحه الخطأ الذي كنت أرتكبه إلا الآن.
هيجة اليهودي
لم أكن أعلم أن هذه القرية عظيمة باسمها وموقعها الجغرافي ومؤسسيها الأوائل.
كنت صغيرا بقدر العقول التي يحملها أفراد المجتمع القروي المجاور آنذاك. من كانوا يتشاءمون من اسم القرية المباركة.
لم أكن أعلم أبدا ماذا يعني انتمائي لهذه القرية؟ لم يقل لي أحد بأني من نسل بنو إسرائيل (شعب الله المختار)، وأني من أتباع المسيح عليه السلام وأبنا للعذراء مريم. وأني من أمة اصطفاها الله وفضلها على العالمين؟ وأني فردا من بين ألف ألف نبيا ورسول.
لقد كبرت أخيرا، ونضج عقلي.
ها أنا أرفع رأسي الآن مفتخرا بقريتي، وناسي، ونسبي كفرد إسرائيلي، من قوما أحبو الله قديما وحديثا وأحبهم الله، ها أنا أتجول متبخترا في ممرات هذا المكان المقدس، أفتش عن بقايا النبوة في رفوف الأبنية الأثرية، وأتلو على مسامع العذارى شيئا من الإنجيل فينضجن مع آخر آيه.
تذبل روحي بظرف صعب يلم بها، فأفتش عن اسمي بين قوائم الرسل وألمحه في الهامش بين مجموعة الرسل الذين ينتظرون الدور حتى يصبحون أنبياء، فتهدأ أنفاسي ويطمئن قلبي، وتهون في عيني كل الظروف وإن قست ما دام أني سأصبح نبيا عما قريب.
كل شي هنا يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنها قرية مقدسة.
أطلال الديار المتهالكة لا تزال محتفظة بعبق النبوة وسحر الرسالة الإلهية.
باستطاعتك أذا ما أخلصت النية أن تنادي وانت تحتضن الجدران المسيح عليه السلام فيهبط من السماء ويعانقك في تلك اللحظة، يخبرك عن رقمك التسلسلي بين قوائم الأنبياء وعن توقيت رسالتك، ثم يهديك شيئا من ثمار الجنه ويعود!.
لا تكاد تلمح دارا قديما ولا طللا أبلاه الزمن بين مناكب الأودية والقيعان أبدا. جميعها في القمم شامخة كالحصون تماما، وهذا دليل واضح على أنها ديار أنبياء تعمدوا أن تكون مساكنهم في قمم الجبال ليقتربون من السماء أكثر.
حطام الأواني الفخارية المبعثرة هنا، أحجار الكريمة المتجمعة أكواما، تكاد تصيح بك. وانت قادم " اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس "، هنا أرضا قطعت من الجنة، ينام تحت ثراها أنبياء ويطوف فوقها آخرون ينتظرون الدور ليصبحوا أنبياء أيضا ".
كل شي هنا معطاء وكريما.
تمر بجانب الأطلال فتتحول في لحظة إلى شاعر تقول بيتين من الشعر تهجو بها حبيبتك التي ترفض تحديد موعد الزواج لأنها تريد أن تظل عذراء مثل أمها مريم عليها السلام لعل الله ينفخ من روحه فيها وتحمل نبيا آخر يشبه عيسى، ويخلدها التاريخ!.
تحاول أن تنسى حياة العبثية التي تخوضها فتحرك قدميك لتقترب من الجدران أكثر حتى تتبرك بها وتسلم على المسيح، تحرك أقدامك الأعشاب فينطلق أمامك أرنب كالسهم نحو الوادي، تحاول أن تركض وراءه لكنك تتعثر وتسقط بين حطام الفخار وبقايا ألواح الإنجيل.
تلتقط أنفاسك قليلا، وتلمح أمامك وكأن الأرض تنشق ويهبط جزاء منها للأسفل، تتابع الحفر لترى ماذا يختبئ هناك، فلعل المسيح يفاجئك هذه المرة من باطن الأرض بدلا من أن يهبط من السماء كما يفعل في كل مره ….
تواصل الحفر، تتعب قليلا، لكنك لا تعود بخفي حنين أبدا، فإن لم تصادف فيها المسيح، فستحصل على شيئا يرضيك حتما.
_إناء مملوءا بالدنانير مثلا،
_جرة مملوءة بالخمر المعتق من زمن النبوءة الأول حيث كان الخمر حلالا، تروي به عطش روحك وتخرج بعده في وضح النهار تنادي بأسماء الفتيات اللواتي بزغت اثدآئهن البارحة، تمسح على نحورهن شيئا من خمر الأنبياء وتدعوا لهن بعد أن تقول بيتا من الشعر في كل فتاة منهن بالعفة والحشمة، وتمضي لتكمل سعادتك.
_تنورا مملوءا بالرماد، تأخذ منه شيئا تحثوه على راسك، تبرأ به من أسقامك وتعبر من خلاله نحو عالم الغيب، كأن ترى مقعدك من الجنه، أو أن ترى إحدى الحوريات تلوح لك وهي تغطس في نهر من العسل، تشتهي نفسك العسل، وتراها ألذ طعما منه فتعود نحوها متلهفا تشبك بذراعيك لتعانقها وتجد نفسك بعد أن يعود إليك وعيك محتضنا للتنور المتهالك وذرات الرماد، فترضى وان لم يكن لك إلا الخيال الذي سيصبح غدا حقيقة حتما.
عموما.
أنا أدعو منظمة حماية الآثار الدولية (اليونسكو) لاعتماد قريتي *هيجة اليهودي* ضمن المناطق الأثرية الجميلة في العالم، وأدعوكم لزيارتنا هنا حيث التاريخ والجمال والشعر والحب. بعد أن تسلموا على روح المسيح وأمه مريم البتول.
#صخر_اليهودي
تعليقات
إرسال تعليق