القائمة الرئيسية

الصفحات

 

المبرز .. مديرية جبل راس

هذه المنطقة مملة جدا، مصابة بنوع من الضمور، تبدو وكأنها مشلوله، تعيش في سبات سرمدي.
لا تتحرك.
لا تتنفس.
لا شي فيها حي سوى الشمس.

لم أقل لأحد مذ أول خطوة لي فيها بأني ألمحها مختلفة عن بقية البقاع.
قلت ليمر الوقت أولا حتى أحكم عليها.  ‏
والآن بعد ثلاث سنوات من الكآبة فيها أيقنت فعلا بأن شي ما في هذه المدينة غير طبيعي.

البارحة قلت لأغير حياة الرتابة التي أعيشها منذ زمن، ذهبت إلى أكثر الأماكن صخبا في المدينة، أريد أن أسمع صوتا ينبئ بحيويتها، كنت أبحث عن دليل ينهي حالة الشك في تصوري للموت المعشعش هنا.

اتجهت نحو مقهى المدينة، مباراة تجمع منتخب أمريكا مع منتخب ويلز ضمن مونديال كأس العالم، تخيلت المكان وأنا صاعدا نحوه يضج بالحياة، بالشغب، بروح الإثارة. كدت أنزع عن مخيلتي صورة الموت، غير أني وصلت نحو بقعة الموت نفسه!.

مجموعة أفراد بملامح شاحبة يجلسون بشكل منعزل، كل ثلاثة في زاوية، صامتون بشكل يبث الرعب، لولا أني أومأت لأحدهم وتفاعل معي بتحريك رأسه لقلت أني في متحف وهذه تحف أثرية!.

لا شي يتكلم في المجلس سوى النادل وشاشة عرض المباراة.
أحسست وكأني في مسجد وهؤلاء ينصتون لخطبة الجمعة، ومن لغى فلا جمعة له.

قلت في بداية الأمر لعلهم حزينون على خسارة المنتخب الذي يشجعونه بيد أني لمحت النتيجة ما تزال تعادل سلبي والشوط الأول للمباراة في بدايته.

جلست في مكان قريب جدا من شاشة العرض.
طلبت من النادل شيشه..
سألني..
_ما النكهة التي تفضلها؟
قلت أي نكهه بشرط أن تكون خفيفه.
لا أحب الشيشة كثيرا، إنما أردت أن أكسر حالة الرتابه الممله، المثالية المبالغ فيها في الوسط المحيط.

تأخرت الشيشة قليلا عني، وهدوء الحاضرين يقتلني، أخرجت حبة سيجارة وبدأت أنفثها بشراهة..
قليلا وجاءت الشيشه فجعلت تارة أنفث دخان سيجارة وتارة أنفث دخان شيشه بشكل جنوني بصورة مستوحاة من شبح التنين!.
كنت أريد إستبدال رائحة الموت المستشري هناك برائحة الدخان.
مر الوقت كئيبا، في ربع الشوط الأول للمباراة، إذ لا أهداف، لا حماس، لا تشجيع، لا أصوات، لا حركة توحي بالحياة سوى دخاني وقرقرة شيشتي وصوت معلق بي إن سبورت في شاشة العرض المثبتة على الجدر.

المعلق يقول "المبارأة بحاجة لهدف"..
قلت نعم.
لربما تنطق هذه الكائنات حولي.

وجاء هدف خرافي بقدم لاعب أمريكي، بصورة أوشكت الجدران أن تصيح لأجله. 
تفاعلت..
تحركت من مكاني..
كدت أصيح بعال الصوت جوووووول.
ولمحتهم صامتون أيضا.

يا لغرابة هؤلاء..!
أوشكت أن أقوم أتحسس أجسادهم فردا فردا، لربما أنهم أشباح. مومياء. تماثيل.
لعل الله قبض أرواحهم قبل وصولي للمكان على تلك الهيئة. 
على الأقل أكتشف سر الغموض.

لا شي.. سوى أن هذه المدينة هي المكينية التي يصدر الله منها الموت للكون. والمقهى الذي كنت فيه كان مركز التحكم لتلك المكينية.
#مبرهنة

تعليقات