القائمة الرئيسية

الصفحات

حدود دولة هادي

أسلاك شائكة، فوهات أسلحة ثقيلة موجهة نحو وجوه القادمين، وكومة أسئلة تتجاوز حدود الخصوصية للفرد القادم من حكومة صنعاء.

ليلة الامس

توجهت بمعية أحد الزملاء  نحو مدينة المخاء على متن دراجتي النارية، المدينة التي أحببتها ومكثت فيها لفترة تتجاوز فترة مكوث أفراد المقاومة منذ مجيئهم حتى اللحظة، سافرت بنية أن الحواجز التي سأصل نحوها حواجز لأجل الحرب ليست لأجل المواطن..

وصلت حدود المخاء تمام الواحدة بعد المنتصف وهناك إحتجزوني وزميلي بطريقة غريبة جدا..

_ أرني هويتك؟ ... من إب؟! .. لماذا جئتم في هذا الوقت؟.. ما عملكم هناك، وهنا؟.. إعطوني جوالاتكم وأمتعتكم. 

وقبل أن يستمع للرد حتى .. رفع سماعة اللاسلكي وبلغ إدارة الشرطة بلهجة منتصر .. "صقر 50 ، صقر 50 .. لقد تم القبض على فردين يستقلون دراجة نارية قادمون من إب،،،،،

... لياتي الرد من مركز العمليات.." حولوهم لمركز إدارة الشرطة".

_ أنا اااا .. قاطعني " ولا كلمة إتبعني صامتا"

كنت أريد أن أقول له بأنها العودة الخامسة والتسعون نحو المدينة الام، المدينة التي تسكنني منذ الازل، المدينة التي تعودت على زيارتها دون سبب يستحق قطع كل تلك المسافات في الرمال.. كنت أريد أن أثبت له بأني الحبيب الاول للمدينة المغتصبة، سأعطيه دليلا يثبت كلامي، سأرشده لأماكن داخل المدينة ربما يكون قد وصل نحوها فيصدقني ويترك سبيلي، كنت سأقول له بأني أول من داعب تلك الحسناء على رمال البحر الاحمر، أول من تغزل بالشامة التي تزين خدها وفخذها الأيمن، وأني بالامس القريب قبل أن يأتوا بأدوات الموت عانقتها حتى تقطع عقدها ليصدق فينا قول إمرؤ القيس وتثبت تنبؤات الشعراء من بعده.


كنت اريده يعلم فقط بأني أعرفها جيدا لكنه لم يسمع.

 

وصلنا مركز الشرطة وأمام المحقق أجبت على أسئلة مثل هذه..

_ لماذا تغلق الواتس بنظام البصمة؟

_ معرض الصور لديك ملئ بلوحات رسم لصور فتيات.. لماذا؟

_ كم نصيب الحوثيون من راتبك الشهري؟

_ صديقك لايعرف المخاء من قبل.. لم جلبته معك؟

_ مبالغك النقدية التي بحوزتك كم مقدارها، عملة قديمة أم جديده؟

 

أكملت محضر التحقيق، وسالته.. ماذا بعد؟ 

قال لي سنحولكم نحو إدارة الأمن، إتبعاني بهدوء..

وهناك.. الوقت متأخر، المدير نائم.. ستناما في السجن وفي الصباح سنعرض قضيتكم على المدير، إدخلا فقط بملابسكم، جوالاتكم وكل أمتعتكم ستبقى معنا.

 

لأول مرة أدخل وصديقي بلال سجنا في حياتنا، ليتكم تعلمون كم كان الوضع حرجا، وكيف مرت الليلة علينا ثقيلة؟!


كنت أشعر بالضيق وانا ما زلت في الساحة حتى فتح لنا الشاويش باب غرفة مظلمة لا تملك شباكا عدا شباك صغير على الباب.. 

فتح الباب، أدخلنا فقط ثم أغلق الباب وذهب ينام.. ظننت أن الغرفة فارغة في البداية لشدة الظلام، ظللت واجما للحظات، فإذا بي أسمح شخيرا لأناس نائمين تحسستهم بيدي.. عددهم 12 فردا، السجن ممتلى تمام لم يكن هناك مساحة سوى المساحة التي وقفنا عليها حال دخولنا فقط وممرا صغيرا يأخذك نحو الحمام على حدود أقدام النائمين..

_ما الحل، أشعر بالإختناق، حرارة الغرفة لاتطاق ؟يسألني بلال، وانا مشغول أفكر بمكان يرضيه او على الاقل يناسب جسمه لينام، بحكم ان بلال لم يكن ضيفا فحسب، بل أخ لي، لم أتوقع أني سأوقعه بمصيبة كهذه التي أقدمت عليها أبدا..

أزلت بعض القاذورات من عند أقدامهم وفرشت ردائي، ثم طلبت من إبن المحافظة الباردة أن يخلع ملابسه مثلي وياخذ قطعة كرتون يجلب به لنفسه الاكسجين الكافي ليضل جسده حي حتى الصباح.. وفعل ذلك.

إستلقى بلال على ظهره وظللت انا عند راسه احمي جسده من لكمات أقدام النائمين حتى الصباح.. أفكر في المرحلة الحرجة التي وصل إليها ضمير أفراد المقاومة.

أي أم أنجبت؟

أي سلوكيات تلك؟

دنئ فعلهم كدنئاتهم، حقيرون جدا للدرجة التي يفرشون فيها الورد للمحتل الإماراتي، ويزجون بأبناء جلدتهم في السجون. وضيعون بألفاظهم وتعاملهم الغير إنساني.

لكنهم خائفون.

خائفون جدا، يعاملون كل فردا ياتي من خارج نطاق الارض المحتلة بخوف وحذر شديد، خائفون لانهم باعوا الارض، وباعوا أنفسهم لمن لا يستحق، يعلمون أنهم سيدفعون الثمن يوما ما.

 

في الصباح.. تعرفت على من حللت ضيفا عليهم،، كان معظمهم جنود!. سألت أحدهم عن السبب فأجابني أن كل من يخالف القادة بفعل او قول لقصد او دون قصد يشتبهون في امره ويزجون به في السجن خوفا من ان يكون تابعا لأنصار الله.. خائفون!.

على كل..

 مضت علينا التجربة بشكل قاسي جدا، كانت ليلة بألف ليلة.

تساءلت بغرابة كيف يمكث المسجون لشهر او لعام؟ كيف يصبر كل ذلك الوقت؟!

من وجهة نظري أرى أن الاعتناء بقضية السجون أمرا ضروريا وإنسانيا ملحا، هم أناس رغم أخطاءهم إن كان لهم أخطاء فعلا، يجب أن نعاملهم من هذا الجانب.. يجب ان يخطط السجن كسكن وليس كمعتقل، ترفع بنايته وتخرج الحمامات خارج اماكن النوم ويترك له ساحه واماكن مفتوحة، ان يكون جيد التهوية وينظف بإستمرار، مع مراعاة جودة الطعام المقدم.

تعليقات