القائمة الرئيسية

الصفحات


 
صخر عبدالعزيز

رسالة إعتذار لوالدي
معذرة إليك يا أبي.
لم أعد صخر الذي سميت. صلابتي تلاشت وعزيمتي اختفت، والإصرار الذي لمحته في طفولتي مات منذ زمن.
وهذا ذنبك!.
أنت الذي لم تسميني "صخر" لأحيا صلدا، وإنما فقط ليحيا في الاسم الذي يذكرك بشاعرتك المفضلة "الخنساء ".


ها أنا ذا أتلاشى الآن تدريجيا أمام عينيك، يضعف وهج روحي، يوشك أن تنطفي شمعتي الأخيرة وأصبح عما قريب مجرد ذكرى مرمية على قارعة الطريق يدوس عليها المارة ويمضون دون آبهين.


كل صباح يا أبي أمر على المقبرة التي قبرت فيها أحلامي التي ماتت في ريعان شبابها. طموحاتي التي وسدتها بيدي قبل أن يبزغ عليها الفجر. أمنياتي التي لم ترى النور بعد.كل شي كنت أعيش لأجله.
وبقيت أنا وحدي.
بقيت لألقي عليهم السلام كل صباح.
" السلام عليكم معشر الأحلام والأمنيات، السلام على الجزء الكبير من روحي الذي عانق التراب، أنتم السابقون ونحن _أنا وتنهيداتي هذه التي تخرج من أقصى القلب_ بكم لاحقون".
ألقي سلامي وأمضي لأكمل دراما الحياة كممثل بسيط مغمور بين شهرة ممثلين عمالقة، لا أحد يعيرني أي اهتمام، دون أن يضايقني ذلك التجاهل.
فكلنا نعمل لصالح المخرج الذي قال لنا هذا الصباح.
_يجب أن تبدعوا أكثر. يجب أن تكون قصة النهاية ناريه.
الحياة في عيني يا أبي لم تعد الحياة، والبشر كذلك.
الأرض ليست كرة، ولا السماء تحتضن الكون.
المعادلات الرياضية في نظري نوعا من السحر وضع عليها أحد زملائي العرافين في الثانوية ذات يوم في امتحانه النهائي شي من التمائم وجاءت نتيجته ضمن أوائل الجمهورية!
لم يبقى معي أحد سوى الوحدة التي أعانق خيالها صباح مساء.
لا شي يسكنني سوى الخيبة، الخيبة من كل شي حتى الرفاق.
أسعى متثاقلا نحو روما، دونما بوصله! فقط يكفي أن كل الطرق تؤدي إلى روما كما يقولون.
ويصحبني في طريقي مجهولة الوصول تلك الأسى، وألف ألف سؤال.
عن الحياة، والعدم، وبدايات تكوين الكون، وفلسفة البقاء الأزلي للألهه، وعن الجغرافيا التي تمنعنا من الفرار عن الموت الذي يرافق ظلنا فيها. عن الوطن.

أسأل نفسي يا أبي كل ليله قبل أن أنام مئة مره. _هذا الوطن، ونحن نتسول كل يوم ألف طريقة للهرب منه. لم لا يسمى سجنا؟.

_ يا الله: وحدك تعلم هذا الضعف الذي يسكنني.

قل لي هذا المساء
_ألا يكفي؟
وقد مات في الشوق، والحب، والأمل؟
وقد أصبحت جمادا دون حاضر أعيش به، ولا هدف أخطو نحوه، ولا وقود لأستمر.
يجب أن تقول لي شي.
قل لي أنك تحبني حتى.
أنا راض لجرعات إضافية من الألم إن كنت تحبني فعلا.
قل لي أنك كنت تؤهلني لأصبح نبيا لولا أنك لا تريد لمحمد الإحراج أمام أمته. قل أنك تعذبني لأصبح شاعرا يتقن مغازلة الجميلات أول النهار، يكتب عن مؤخراتهن ثم يتوب في الليل.
إلهي.
سأنتظرك الليلة لتهبط نحوي. أنا في أمس الحاجة إليك، يجب أن تزرع في الثقة التي تجعلني أسدد صفعتي الأخيرة لأولئك الذين توهموا يوم أن تخلوا عني بأني لن أقوى على العيش بدونهم.
يجب أن أقول لهم وللمرة الأخيرة ". أني بخير. وأني هنا أعيش رغما عنهم في جوار الله".

تعليقات