القائمة الرئيسية

الصفحات

ل تشرينية الهوى

هذا الصباح ..
كنا ثلاثة .. أنا ، وكوب بن ، وذهني الشارد .
فوق فراش ينتظر الشمس تزيح عنه ندى أول ليالي الشتاء .
.. في الطابق الأسفل صوت ضجيج أقلقني كثيرا . تطلعت .. فإذا تأوهات كبار السن، بكاء أطفال، وآخرون يمسكون بأيديهم أغلفة لعقاقير طبيه؟.

تركت رفاقي والفراش .. ونزلت نحو الدوام الذي بدأ الساعة الثامنة وانتهى الواحدة ظهرا .
خرجت متعبا بعد انتهاء الدوام بخطوات متثاقلة نحو الشارع ..
في الجهة المقابلة شجرة تسقط منها ورقة كل نصف دقيقة ، وصبايا تداعب ضفائرهن الرياح ..
ارتفاع مخيف في سعر القات ، وانعدام شبه كلي للأنواع الجيدة منه !.
 
أمممممممم !!
إذا نحن في تشرين يا سيدتي وأنا لا أعلم ؟
مالذي دهاني حتى نسيت هذا الشهر المبارك ؟
إنه لجرما عظيما أن يمر علينا هذا الشهر دون احتفال بقدومه.
 

تشرين 

عيدا لكل شي، عنوانا عريضا للصخب الذي يجب أن يعيشه الناس .
تشرين .. موسما حافلا بالثورات ، شاهدا على التحولات التاريخية للعظماء الذين تعمدوا أن يكون هذا الشهر موعدا للعراك والتضحية ، تراهم عبر التاريخ يهبون أرواحهم لتشرين ، فيجود عليهم هذا الشهر بالحرية ويسجلهم في أبهى صفحات التاريخ .
تشرين .. موعدا لتجديد الطقس ..
فما أن يشعر الناس بشيئا من الممل من الصيف ، حتى يهبط هذا الشهر المبارك من السماء يقبض روح الصيف الهالكة وينفخ الروح في المخلوقات الكونية من جديد ، شهرا فيه من الصرامة والحزم ما إنه يرفض الجمود في طريقة العيش للكائنات الحية ،،
وهذا يفسر سر الغضب الذي يبديه تشرين حال نزوله ، فلا يصل إلى ظهر هذا الكوكب حتى يمسك الكرة الأرضية من تلابيبها ويهزها بعنف حتى تهيج البحار وتضطرب فتختل الملاحة وينعدم الصيد ويفقد الصيادون أعمالهم .
وتصاب الطبيعة بموت جزئي ، فتصفر أوراق الأشجار وتتساقط حتى لا يبقى منها إلا الجذوع .
والإنسان يصاب بالخوف أيضا حتى دون أن يشعر ، يضعف جهازه المناعي فجأة وتصيبه أضعف الفيروسات بأمراض موسمية تكاد تقضي عليه ..
يصل نحوي المريض في رمقه الأخير ، بينما نتائج التحاليل لدمه طبيعية جدا ، لدرجة أنك لا تجد ما تشبع به فضول المريض الذي يزعجك بتكرار سؤاله "أيش فيني ؟"
 إلا أن تقول له :
_وعكة تشرين يا عزيزي .
 هذا الكوكب العجوز يصاب بالضمور ويتضاءل حجمه إلى حدا كبير مقارنة بحجمه في بقية الشهور ، حتى تغدو العشر الخطوات التي تفصل باب منزلك عن المسجد ٧ خطوات .
كل شي يموت موقتا في تشرين حتى التين والعنب ، _وكأنه عزارائيل بثوب تشرين _ حتى النهار يغدو مجرد لمحة ، فيما يطول الليل كثيرا وكأنه يريد للمخلوقات التي لم تموت أن تغفوا كثيرا وتدخل في فترة سبات طويلة الأمد .

رغم أن تشرين يظهر في بداياته شرسا، وتبدو تصرفاته مخيفة ، لكنه يظل " شهر الحياة " . خلقه الله ومنحه حق التصرف بالحياة يهبها لمن يراه قادرا على العيش بروحا جديده مرة أخرى ، ويقبضها عن اليائسون الذين لم يعد للأمل سبيلا إليهم .

ولذا هو يبدو صارما في أداء مهمته .. فلا تساهل في تكاليف السماء .
فالتغيير سنة من سنن الحياة ، وحراما على الحياة أن تموت قبل أن يأذن الله ، وتشرين رسول من رسل الله لتجديد هذه الحياة .
فلا يبقى بعد تشرين حيا إلا من يستحق الحياة فقط ..
اليائسون ، المحبطون ، ذو العزائم المصدئة ، والأرواح الهالكة .. يموتون 
وقد حق لهم أن يموتون أصلا .
فما كان لشجرة لم تستطع أن تؤرق بعد خريف تشرين، أن تؤرق .
 وما كان لإنسانا لم يستطع مقاومة نزلات برد تشرين، أن يتعافى .
فلا جدوى لمن لا يقوى على القتال لأجل الحياة من جديد .
البقاء فقط لمن جاؤ بعد تشرين بأرواح مشرقة، وأساليب جديدة في التعامل مع الحياة .
لمن نفخ فيهم تشرين من روحه ودعى لهم بالخلود الدنيوي .

بالمناسبة .. أنا أيضا أحببتك في تشرين ،، وناولتك أول قبلاتي في تشرين، وتزوجتك في تشرين .

وقد أضاف فعلنا هذا شرفا ورفعة لتشرين بقدر كل الأحداث التاريخية التي أحدثها هذا الشهر من يوم ولادته حتى اليوم .
كنت طفلا بارعا لدرجة أني اكتشفت سر التحولات التي يحدثها تشرين في وقتا مبكر من العمر .
حتى أني بعد أن بزغ قلبي ومر علي القرية أول تشرين .. مررت أفتش على فتيات القرية اللاتي إستسلمن لتشرين ...
كن معظمهن في حالة يرثى لها بفعل تشرين .. إلا أنت ،، 
لمحتك بصحة جيده ، شامخة مشرقة وكأنك استعرت وجهك من الشمس ،،
فأمنت بأنك وحدك من تستحقين الثقة ، وأحببتك يومئذ كفتاة لم تستسلم لتشرين !.

وظل الحب كامنا ، حتى موسما آخر لتشرين .
وحل تشرين مرة أخرى أيضا ..
يمطر القرية خريفا .. ووباءا
ينزع الحياة 
يزرع الخوف 
يتخطى جثث الموتى .. حتى إذا ما وصل إليك ناولك الحياة ودعى لك بالخلود !.
وبدون شعور هرعت في تلك اللحظة نحوك بقبلة .. وكنتي لي من بعد ذلك قبلتي ومعبدي .
فأنت يا توأم الروح وشريكة الحياة أحق من أهفوا إليه في كل صلاة وتسبيحة وسجدة بعد الله .

إني والذي جعل في قلبي متكأك ، لا أراك أغلى ما امتلكت، لقد كنت المفاجئة التي تعدل الكون، الفتاة التي عجز أن يأتي تشرين بمثلها مرة أخرى .

شهر مبارك عليك يا صاحبة المجد ، كل عام وانت تشرينية خالدة .
أحبك مثل حب ١٥_١٠_٢٠١٥ ، فالحب الذي يأتي في تشرين يظل أبديا ، لا يعتريه النقص ولا يصاب بالضمور .

تعليقات