القائمة الرئيسية

الصفحات

 جئت وحدي

ليس بالأمر الهين أن تكون وحيدا على ظهر هذا الكوكب دون سند.
لا أحد يشعر بمدى الفقد الذي أحمله، النقص، الضعف، الخوف.
الخوف من أن تخونني قدماي من الثبات يوما ما ولا أجد من يمد يده نحوي.


ليس من العدل أبدا أن يقرأ الفرد من مظهره الخارجي

ففي باطن هذا الشموخ الذي أرتديه تسكن روحا هالكة، قلبا هزيلا، أعضاء تالفه. هناك أسكن أنا، أرتدي ملامح شاحبة، عينان جاحظتان، هيكلاً عظميا بارزا بطبقة خفيفة من اللحم، أمشي صباح كل يوم نحو نقطة غير محدده وأنام حيث تغرب شمس ذلك اليوم على أمل أن أواصل السفر في الغد.
فقط صحوت يوما ووجدتني هكذا، لا أحد معي.


حزنت جدا قبل يومين حين عرفت لأول مره بأني جئت من صلب رجل ورحم امرأه، وحزنت اليوم أكثر عندما أخبرني أحدهم بأنه كان بإمكاني أيضا أن أمتلك أخ.
كنت على يقين طوال كل تلك الأعوام التي مرت بأن هناك قصة ما لتلك الغصة التي كنت أشعر بها حين يحدثني أحدهم عن أخاه.
وكأنها البارحة. لا أزال ألمح ذلك الطفل يحمل كل صباح حقيبته المدرسية على كتفه النحيل قاطعا مسافة شاسعة في طقس حار دون أن يطلب المساعدة من احد، فيما أترابه يمشون جواره خفافا دون حمولة لأنهم يملكون إخوة يحملون عنهم أمتعتهم.
كان يتعب، لكنه لم يكن يحزن للموقف أبدا، فقد كان مؤمنا بقدره، ومتكيفا مع الوضع الذي وجد نفسه فيه.
لكني لم أعد طفلا، لقد كبرت وكبر الحزن معي وأصبح وارفا، أنا أستظل تحته الان لوحدي، العديد من المارة يشاركونني الظل للحظات. لكنهم يذهبون بعد ذلك ويتركونني.
لم يأتي الفرد الذي يهمه أمري بعد، ولن يأتي.


لم تتعبني قساوة الظرف وثقل الحمولة، بقدر ما أتعبني كتمان حالة التوحد التي أعانيها. يوما بعد آخر أشعر بصعوبة في التعايش مع الوسط المحيط بي، ألمح وكأن أعين الرفاق تحاصرني، وكأنهم يحيكون لي أمرا في الغيب.


لم أعد بارعا في التمثيل كما كنت، أصبحت ضحكتي باهته، تصرفاتي غير متزنة، لم يعد الثبات الذي كان، لقد سيطر الخوف على ملامحي، وأصابني الذعر من كل شي.

تعليقات