القائمة الرئيسية

الصفحات

 الأمل الضائع

مات القبطان، كسر المقود، ضاعت عنا المجاديف، وضلت سفينتنا عن وجهتها المحددة. الرياح تزداد عتوا وهيجانا يوما بعد آخر.

_ إذا بعضا من الأمل نتشبث به؟

أجابني شيخا تجاوز التسعين وهو يرتعش على عكازة في مقدمة السفينة حيث يقف مجموعة من البحارة القدماء ممن لديهم خبرة ممتازة في الملاحة يقرأؤن الفاتحة على روح القبطان ويحاولون فك طلاسم النجوم في السماء. " لعلنا نطمئن القوم وندلهم إلى أي اتجاه تبحر سفينتنا ".
يحاولون بجهد.يتأملون بدقة، يسألون أين ذهب الدب القطبي؟

شيخا آخر ينهي أحداث المسرحية الجارية قائلا لهم. لا تتعبوا أنفسكم أكثر مما مضى، لم يعد موجودا، ولن تجدوه، لقد تحول إلى نعجة تقف نافشة الريش في وسط السمآء لا تدل على أي اتجاه، فوق رؤوسكم تماما …!

_أي أمل، يا بني؟
قلت مرتبكا.
_ فتاة أحببتها أياما دون أن تعلم، وعندما حانت الفرصة وسألتني.
_ أتحب شيئا آخر في حياتك غير الكتابة المطولة لمن لا يقرأها؟
_ نعم. أحب وجبة الخبز والبصل بعد يوما ممطرة شديدة البرد كنت التهمها بشهية في صغري، أتمنى أن لو تعود تلك اللحظات وذلك الجوع.
_ ثم ماذا؟
_ وأحب أول قبلة لي في سن المراهقة لفتاتي التي ما زالت تؤيد فكرتي على أنها كانت أشد سكرا، رغم توالي القبلات.
_ ثم ماذا؟
_ وصورة قديمة لجدتي مع بقرتها الحلوبة (تمره)، وخميس الطفولة الذي يقودني نحو عطلة الجمعة، والقمر، ورمضان القديم، والأحلام التي ماتت في مخاضها، وكذلك ….
_ قاطعتني، وهي تريني ظهرها مغادرة. كفاك يا رجل.

ودعتها، وعدت أكمل مع نفسي...
_ثم ماذا أيضا؟

_هذه الحياة.. ألا تستحق الحب؟

_ بلى، بيد أني لم أحصل على الوقت الكافي لأقول لها بأني أحبها منذ نعومة أظفاري. واني فقط مشغول بمهمات، نهاية كل مرحلة منها بداية لمرحلة أخرى لا تنتهي.
وذهبت مع نفسي في وسواسا طويلا، أسأل وهي تجيب، ليقطع ذلك الوحي الشيطاني صوت الشيخ مرة أخرى يقول لي من جديد بصوت هادئ ونبرة جادة.

_ هييييه يا بني منذ 90 عاما وأنا انتظر الأمل الذي يقودنا نحو الشاطئ. ولم أعثر إلا على مزيدا من اليأس، وقد اقتنعت.
_بماذا؟
_اقتنعت بأننا نبحر في بحرا بلا مرافئ، نقطن في كوكب مائي بلا يابسة، لذا لا داعي للقبطان، ولا أهمية لمحرك السفينة، ولا جدوى من وجود أو غياب الدب القطبي، ولا معني لهؤلاء البحارة الذين يتصنعون بحرفة لا نستفيد منها شي.
فإياك الانتظار لأمورا لا تأتي، عش حاضرك مثلما جاء وأترك المستقبل حتى يأتي.

تعليقات